فضاء حر

ما زال مصلح يبتلع “جعالتي”..

 منذ اكثر من عام ونصف، وانا استحضر صورة مصلح جارنا، رفيق "المعلامة" والمدرسة واللعب، معا قرأنا القرآن الكريم في " المعلامة " القريبة من منزلنا، لعبنا واكلنا، ولسعتنا خيزرانة الفقيه عشرات المرات.

كل يوم كان مصلح يأتي إلي في وقت الراحة، ويقول بأدب جم: أيش رايك يا اروى تجيبي " عوافك" على عوافي ونخلطهم ونأكل مع بعض.. فاوافقه ، وبسرعة البرق " ينتع" الخبز ويقسمه بيني وبينه.

لكن ماذا عن "عوافك" ؟ لقد كان يخبئه، ويأكله لوحده.. وهكذا كانت "الجعالة" ، اتذكر نعنع ابو "حاموراء " وبسكوت الميزان واللانجوس ، فيأتي متمسكا وبنفس الأسلوب الدعائي: سنخلط جعالتنا مع بعض ، فتتنوع ونأكلها معا ، وبقوة " يهتر" جعالتي فيقسمها بالتساوي، ويلتهمها بالكامل، ويخبئ جعالته كالعادة ، وحجته في اكتنازها اننا سنحلي بها وقت " الفيدوس".

بعد فترة لم يعد يقسم جعالتي و"عوافي" بالتساوي بيننا، بل كان يلتهم الجزء الأكبر، ويبقي لي الفتات.

اما " السلف" اكانت "بقش" ام اقلاما/مساحات/مساطر، يستعيرها ولا يردها مطلقا، وسيظل يماطلك حتى تتعب او تنسي.. وهكذا. لقد مرت مئات الفيدوسات، والراحات ، ولم ار قطعة خبز ، او نعنعة ، او فلسا من النقود التي يتسلفها مني او من كثير من الاصدقاء. وشيء آخر؛ فمصلح لا يتورع ان يستولي على بقعتك في المعلامة  فبعد ان تأتي صباحا لتمسكها، وتكون قد انتهيت من تنظيفها من التراب والاشواك، يأتي مستخفا، ويبسط عليها ، وبنفس اسطوانة " الفيد" يبتسم:" يا بنت عمي عبده ، نحنا جيران وتربينا سواء، وامي صاحبة امك، واختي صاحبتك، وتذكري ذاك اليوم عندما امي اعطتكم حلاوة ومشبك"..الخ

اما في المضرابات والمشادات المدرسية، فكم مر خذلني ، بل ويؤلب علي بنات الصف اذا رفضت ان اعطيه قليلا من "اللانجوس".

ذات مرة وفي "الرواحة"، تحلق حولي بعض زملاء وزميلات الصف – نسيت المشكل – رأيت مصلح ينظر الي من بعيد، ويصيح متحمسا: ايوة يا اروى، اعطيه دكمة على الجنب، ارجعي خطوة الى الامام واعطيها زبطة، اقحصيه، اقبصيه، اعصري يده، انتعي شعرها، كسري اصابعها .. الخ ، ويزعق اكثر: يا اروى اقرئي سورة المسد، والفلق، وسينهزمون.. وبعد ان ينتهي المشكل، ويكون وجهي مليئا بالدموع، ناهيكم عن اللكمات والخدوش، يأتي مختالا؛ شفتي كيف ساعدتك، وناصرتك، بالله عليك لو لم اوجهك اين تصوبي اللكمة، والزبطة، كنت الان مكسرة ومدوخة، شفتي خطط مصلح دائما تنتصر وتنزل في العدو خسائر فادحة!

مصلح "الله لا يصلح له شأن،"- كما كانت امه تناديه – في احدى المرات، وانا اختال فرحة بـ" فراتك" الشعر الجديدة، الفضية اللامعة "ابو سمكة"، رأيته وقد انزل الكوفية على جبهته، ويقود مع بعض عصابة الصف " بالمفهوم الطلابي"، التفوا علي يريدون ان يستولوا عل "فراتكي"، دافعت عنها بكل قوتي، لكني فشلت فنهبوها، لم ابك، لكني وقفت مبهوتة عندما رأيت مصلح ينزعها من خصلات من شعري، وعندما واجهته، حلف فوق" راس الكعبة المشرفة" انه ليس هو، وانما "شبه لي". قلت له: عرفتك من صوتك وكوفيتك. اريد" فراتكي" يامصلح، شكوته للأستاذة، صدقت حلفانه الغليظ ومسكنته.. ومضيت، لكني لم انس هذه الحادثة، حتى اليوم وانا ارى خصلات شعري بين اصابعه.

**

ولا انسى عندما تغيب عن المدرسة، وكان اليوم التالي امتحان، فسألته عن مادة الامتحان، فقال: تربية اسلامية، وكان الامتحان في مادة الرياضيات، غضبت، ورد بابتسامة ثعلبية: قضاء وقدر، كانت اسلامية تحولت رياضيات، سبحان الله.

**

تفرقت بنا السبل لسنين طويلة امتدت لأكثر من 25 سنة..

حتى اتى ذلك اليوم 2011، وفي ساحة الحرية والتغيير، رايته بشحمه ولحمه، انه مصلح فارع الطول، بلحية مشذبة، وسماطة وزنته البيضاء يتحزم جنبية يبدو من نصلها انها غالية الثمن، رايته وعرفته، فرماني بنظرة وابتسامة خرجت على مضض من تحت اسنانه السوداء " الماركة التعزية"، كان يتحلق حوله بعض الشباب المتجمهرين، ويبدو انه قد اصبح قائدا مهما، وكان هذا يبدو من جموع المليشيات التي تحيط به، سمعته يقول لهم وبنفس ابتسامة المعلا والمدرسة واحواش اللعب:" ايش رايكم يا شباب الثورة، نخلط احتجاجكم، على احتجاجنا، اعتصامنا على اعتصامكم، وقهركم على قهرنا، وثورتكم على ثورتنا، وندك عرش الطاغية، ونبني الدولة المدنية الحديثة على اسس" الاسلام هو الحل"، شريعة للكون اجمع ! يااااااالله انه نفس سيناريو، العواف والجعالة ، و … الخ ، كأنه اليوم واللحظة، هببت مسرعة نحو الشباب والشابات.. لا تصدقوا مصلح.. الثورة بالنسبة له ولأصحابه "جعالة"، وفراتك "ابوسمكة"، انهم ينزعونها مع الشعر، ستجدون خصلاتنا لاصقة تحت اضافرهم.

يا شباب، مصلح سيلتهم "عوافكم" وعطشكم للحرية والتغيير، وسيجعل منكم حطب وجمر الثورة لتنضج كعكته هو، ساحته هو، شهداؤه هو، نصره هو، كل شيء هو.

لا تصدقوه من ان الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر، والقضاء والقدر، يناصرونه هو وجماعته لانهم اهل الحق والايمان والحكمة. اعرف مصلح . ومن ذا الذي لا يعرف مصلح، امه كانت تقول للجيران: "اذا سلم عليكم مصلح عدوا اصابعكم".. الله يرحمك ياعمة شذابة!

**

حدجني مصلح بنظرة استخفاف، وقال ببرود لا تردوا.. انها بقايا عفاش ونظامه.

فهاجت الجموع المحشودة والمحتشدة خلفه: نعم، هن /هم بقايا عفاش، كلهم مندسون و… تحسست راسي وكأنني اتلمس فراتكي الفضية "ابو سمكة"، هل مازالت في مكانها، ام ستذهب منزوعة مع الشعر الى قبر يتسع ولا يضيق، قبر: "كلما زدنا فراتك ابو سمكة، اهتز عرشك يا…".

فكيف تشوفووووووووووووا؟

عن: الأولى

زر الذهاب إلى الأعلى